صميم
التعليم: نظرة تاريخية
|
||
ترجمة: عصام أحمد فريحات
تصميم التعليم : نظرة
تاريخية
يبحث هذا المقال تاريخ تصميم وتقنية التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وجهود تطوير البرامج التدريبية خلال الحرب العالمية الثانية، وأبرز ما يتعلق بنماذج تصميم التعليم الأولى في الستينيات والسبعينيات، ويتناول كذلك الأحداث الرئيسية في تطور عملية تصميم التعليم، و العوامل التي أثرت في المجال خلال العقدين الماضيين بما فيها الاهتمام المتزايد بعلم النفس المعرفي، وتقنية الأداء، والبنيوية. يشمل ميدان تصميم وتقنية التعليم تحليل مشكلات التعلم والأداء، والتصميم والتطوير والتطبيق والتقويم والإدارة للعمليات والمصادر التعليمية وغير التعليمية التي تهدف إلى تحسين التعلم والأداء في المواقف المختلفة. ويستخدم المختصون في مجال تصميم وتقنية التعليم في الغالب إجراءات نظامية، ويوظفون وسائل تعليمية متنوعة لتحقيق أهدافهم، وقد ازداد اهتمامهم في السنوات الأخيرة بالحلول غير التعليمية لبعض مشكلات الأداء، وتعد النظرية والبحث في كل مجال من المجالات السابقة جزءا مهما من هذا المجال (Reiser, in press). و تشمل السمات الرئيسة لمجال تصميم وتقنية التعليم ما يأتي: أ) ست ممارسات أو أنشطة أساسية هي التحليل، التصميم، التطوير، التطبيق، التقويم، الإدارة. ب) النظر إلى البحث والنظرية كما الممارسة باعتبارهاجوانب أساسية من جوانب هذه المهنة. ت) الاعتراف بتأثير حركة تقنية الأداء على ممارسة المهنة. وكذلك فإن التعريف كوّن نوعين من الممارسة التي شكلت أساس المجال: أ) استخدام الوسائل لأغرض تعليمية ب) استخدام الإجراءات النظامية لتصميم التعليم. ورغم أن الكثيرين يجادلون حول قيمة توظيف هذه الممارسات، فإنها تبقى مفاتيح لتحديد عناصر مجال تصميم وتقنية التعليم، والأفراد الذين ينتمون إلى هذا المجال هم الذين يمضون نسبة مهمة من وقتهم في العمل على الوسائل، أو المهام المرتبطة بالإجراءات النظامية لتصميم التعليم، أو الاثنين معا. وسوف ينصب التركيز في هذا المقال على تاريخ تصميم التعليم، وهذا فصل طبيعي لأنه من الوجهة التاريخية، ظهرت معظم التطورات في الممارسة المرتبطة بالوسائل التعليمية بشكل منفصل عن التطورات المرتبطة بتصميم التعليم، وتجدر الإشارة كذلك أنه بالرغم من أن تطورات عديدة مرتبطة بهذا المجال قد حدثت في دول أخرى، إلا أن التركيز في هذا الجزء كان على الأحداث التي تمت في الولايات المتحدة الأمركية. تاريخ تصميم التعليم تم خلال الأربعة عقود الماضية تطوير مجموعات متنوعة من إجراءات (نماذج) تصميم التعليم النظامية، وقد كان يدلل عليها بمصطلحات مثل مدخل النظم (systems approach)، تصميم نظم التعليم (instructional systems design ISD)، تطوير التعليم (instructional development)، تصميم التعليم (instructional design)، وبالرغم من اختلاف توليفات الإجراءات التي تستخدم في نماذج تصميم التعليم، فإن معظم هذه النماذج تتضمن تحليل المشكلات التعليمية، والتصميم، والتطوير، وتطبيق وتقويم إجراءات ومواد التصميم التي توضع لحل هذه المشكلات. أصول تصميم التعليم: الحرب العالمية الثانية. ترجع أصول إجراءات تصميم التعليم إلى الحرب العالمية الثانية (Dick,1987)*، فقد استدعي خلال هذه الحرب عدد كبير من علماء النفس والتربويين الذين لديهم تدريب وخبرة في إجراء البحوث التدريبية؛ للقيام بأبحاثٍ، وتطوير موادَّ تدريبيةٍ للخدمات العسكرية. وقد كان لهؤلاء الأفراد ـ الذين كان من بينهم روبرت جانييه، ليسلي برغز، وجون فلانغان، وكثيرون غيرهم ـ أثر واضح في تحديد مواصفات المواد التدريبية التي تم تطويرها، والتي اعتمد في كثير منها على مبادئ التعليم المشتقة من النظرية والبحث في التعليم. وكذلك وظف علماء النفس معارفهم في التقويم والاختبارات للمساعدة في تقويم مهارات المتدربين، واختيار الأفراد الذين استفادوا أكثر من غيرهم من كل برنامج تدريبي، وعلى سبيل المثال كانت نسبة الفشل في أحد برامج التدريب على الطيران مرتفعة خلافا ًلما هو متوقع، ولمعالجة هذه المشكلة اختبر علماء النفس المهارات العقلية والحس حركية والإدراكية لدى لأفراد الذين كانوا قادرين على أداء المهارات التي تم تعلمها بنجاح في البرنامج ، ومن ثم قاموا بتطوير اختبارات تقيس هذه السمات، وأصبحت هذه الاختبارات تستخدم لاختيار المرشحين لذلك البرنامج التدريبي ، وتوجيه الذين يكون أداؤهم ضعيفا في هذه الاختبارات إلى برامج أخرى، ونتيجة لاستخدام هذه الاختبارات في المهارات الأساسية التي يمتلكها الأفراد (المهارات المدخلية) استطاع الجيش وبشكل كبير رفع نسبة الأشخاص الذين يجتازون البرامج التدريبية بنجاح. وبعد الحرب مباشرة واصل العديد من علماء علم النفس الذين كانوا وراء النجاح في برامج التدريب العسكرية العمل على حل مشكلات التعليم، وأُنشئت لهذا الغرض منظمات مثل المؤسسة الأمريكية للبحوث، وفي نهاية الأربعينيات وخلال الخمسينيات بدأت مثل هذه المنظمات النظر إلى التدريب كنظام، وطورت عددا من الإجراءات المبتكرة للتحليل، والتصميم والتقويم (Dick, 1987)، وفي هذه الفترة ــ على سبيل المثال ــ طور (روبرت ب. ميلر) طريقة مفصلة لتحليل المهام خلال عمله على برنامج خاص بالجيش (Miller, 1953, 1962)، وقد لخص جانييه ما قام به ميلر وغيره من رواد مجال تصميم التعليم في الكتاب الذي حرره بعنوان "مبادئ علم النفس في تطوير النظم". تطورات مبكرة أخرى: حركة التعليم المبرمج لقد ثبت أن حركة التعليم المبرمج (Programmed Instruction) التي قامت في وسط الخمسينيات وحتى وسط الستينيات كانت عاملا مهما في تطور مدخل النظم. وقد بدأ مقالُ (ب. ف. سكنر) في عام 1954 والذي كان بعنوان " علم التعلم وفن التدريس" ما يمكن أن يطلق عليه ثورة في ميدان التربية، وفي هذا المقال وما بعده (e.g., Skinner, 1958)، وضح سكنر أفكاره المتعلقة بمتطلبات زيادة التعلم الإنساني والخصائص المفضلة للمواد التعليمية الفعّالة، وبيّن سكنر أن هذه المواد التي تدعى مواد التعليم المبرمج تستوجب تقديم التعليم في خطوات صغيرة ، تتطلب استجابات علنية للأسئلة المتتالية، وتزويد تغذية راجعة مباشرة، والسماح للمتعلم بالسير وفق سرعته الخاصة، ولأن هذه الخطوات تكون صغيرة جدا، فمن المتوقع أن المتعلم سيجيب عليها جميعها بشكل صحيح وبالتالي فإنه يُعَزَّزُ إيجابيا من خلال التغذية الرجعة التي يتلقاها. إن العملية التي وصفها سكنر وآخرون (cf. lumsdine & Glaser, 1960) لتطوير التعليم المبرمج تمثل منحى تجريبيا في حل المشكلات التربوية: حيث يتم جمع البيانات المتعلقة بفاعلية المواد، وتحديد أوجه القصور في عملية التعليم هذه، وفي ضوء ذلك تتم مراجعة هذه المواد. وإضافة لإجراءات التجريب والتعديل هذه ـ التي تسمى هذه الأيام "التقويم التكويني" ـ تضمنت عملية تطوير المواد المبرمجة خطوات أخرى عديدة توجد في نماذج تصميم التعليم الحالية (Heinich, 1970). الأهداف السلوكية كما اتضح سابقا فقد كان المنشغلون بتصميم مواد التعليم المبرمج يبدأون بتحديد الأهداف التي يراد تحقيقها من قبل المتعلمين المستهدفين من البرنامج، وفي بداية الستينيات أشار روبرت ميجر إلى الحاجة إلى تعليم المربين كيفية كتابة الأهداف، وفي كتابه " تحضير الأهداف للتعليم المبرمج" (Majer, 1962)، الذي أصبح شائعا جدا والذي صدرت طبعته الثالثة في العام 1997، وبيع منه ما يزيد عن 1.5 مليون نسخة، يشرح ميجر كيفية كتابة الأهداف التي تشمل وصف سلوك المتعلم ، والشروط التي يؤدى السلوك تحتها، والمعايير التي يحاكم إليها السلوك، ويدافع العديد من مناصري عمليات تصميم التعليم حاليا عن ضرورة إعداد الأهداف بحيث تشتمل على هذه العناصر الثلاثة. وعلى الرغم من أن ميجر جعل استخدام الأهداف السلوكية في متناول اليد، إلا أن التربويين استخدموا هذا المفهوم قبل ذلك، وكان ذلك على أقل تقدير في بداية القرن العشرين، وقد كان روبّت، وكارتر، وبورك (Gagn'e, 1965) من المنادين باستخدام أهداف محددة وواضحة فيما يعد رالف تايلر أباً لحركة الأهداف السلوكية، وقد كتب حول ذلك أن: " كل هدف يجب أن يحدد بعبارات توضح نوع السلوك الذي يرمي المساق إلى تطويره" بالاقتباس عن (Wallbesser & Eisenberg,1972) وخلال الدراسة الشهيرة التي أشرف عليها تايلر والتي استمرت ثماني سنوات وُجد أنه في الحالات التي استخدمت فيها المدارس الأهداف، كانت هذه الأهداف في الغالب غامضة وغير واضحة، وفي نهاية الدراسة تبين أن الأهداف يمكن أن تصبح أكثر وضوحا إذا صيغت بعبارات سلوكية، وأن تصبح أساسا لتقويم فعالية التدريس (Borich, 1980;Taylor, 1975) . وفي الخمسينيات حظيت الأهداف السلوكية بدعم آخر عندما نشر بلوم وزملاؤه كتاب "تصنيف الأهداف التربوية" (Bloom, Engelhart, Furst, Hill & Krathwohl, 1956) ، وقد بين المؤلفون أنه توجد في المجال المعرفي أنواع مختلفة من مخرجات التعلم، وأنه يمكن تصنيف الهدف بحسب نوع سلوك المتعلم المحدد فيه، وأنه توجد علاقة هرمية بين أنواع هذه المخرجات المختلفة، و بينوا كذلك أنه يجب أن تصمم الاختبارات لقياس كل نوع من هذه المخرجات، وسنلاحظ فيما يلي من هذا المقال أن أفكاراً شبيهة من قبل تربويين آخرين كان لها تطبيقات مهمة في التصميم النظامي للتعليم. حركة الاختبارات محكية المرجع في بداية الستينيات ظهر عامل مهم آخر كان له أثر في تطور عملية تصميم التعليم وهو الاختبارات المحكية المرجع، وحتى ذلك الوقت كانت معظم الاختبارات معيارية المرجع حيث كانت تصمم لتوزيع أداء المتعلمين بحسب النتائج إلى مستويات جيدة أو ضعيفة، بعكس الاختبارات محكية المرجع التي تقيس إلى أي مدى كان أداء المتعلمين جيدا في سلوك معين أو مجموعة من السلوكيات بغض النظر عن أداء المتعلمين الآخرين، وفي وقت مبكر في العام 1932 أشار تايلر إلى أن الاختبارات يمكن أن تستخدم بالطريقة التي وردت في الاختبارات محكية المرجع (Dale, 1967) وناقش كل من فلانجان (1951) و أيبل (1962) الفرق بين مثل هذه الاختبارات والاختبارات معيارية المرجع، ومع ذلك فقد كان روبرت جلاسر (Glaser & Klaus, 1962) أول من استخدم مصطلح المقاييس معيارية المرجع، وبين جلاسر أن هذه المقاييس يمكن أن تستخدم للتعرف على السلوك المدخلي للمتعلمين وتحديد مدى اكتسابهم للسلوكيات التي صمم البرنامج التعليمي لتعليمها، ولهذين السببين تعد الاختبارات محكية المرجع سمة أساسية في إجراءات تصميم التعليم. روبرت م. جانييه: مجالات التعلم، أحداث التدريس، التحليل الهرمي ومن الوقفات المهمة في تاريخ تصميم التعليم ما ظهر في العام 1965 عندما نشرت الطبعة الأولى من "كتاب شروط التعلم "The Conditions of Learning الذي كتبه روبرت جانييه، وفي هذا الكتاب وصّف جانييه مجالاتٍ أو أنواعاً خمسةً من مخرجات التعلم ــ المعلومات اللفظية، المهارات العقلية، المهارات الحس حركية، الاتجاهات والاستراتيجيات المعرفية ــ وبين أن كل واحد من هذه المجالات يتطلب مجموعة مختلفة من الشروط لحصول التعلم، وقدم جانييه وصفا مفصلا لهذه الشروط ولكل نوع من مخرجات التعلم. وفي الكتاب نفسه وصّف جانييه تسعة أحداث للتعليم events of instruction، واعتبرها جوهرية لتحقيق المقصود من كل نوع من مخرجات التعلم، ووصف جانييه كذلك أي من هذه الأحداث على وجه الخصوص يعد لازما لأي من المخرجات، وناقش كذلك الظروف التي يمكن في ظلها لحدث ما أن يفقد أهميته ، ولا يزال توصيف جانييه للأنواع المختلفة من مخرجات التعلم وأحداث التعليم حجر الزاوية في ممارسة تصميم التعليم في الطبعة الرابعة من كتابه (Gagne'e, 1985) . ولا يزال كذلك لعمل جانييه في مجال هرمية التعلم والتحليل الهرمي أثر هام في مجال تصميم التعليم، ففي بداية الستينيات وفي الفترة التي تلت ذلك (e.g., Gagne'e, 1962a, 1985; Gagne'e, Briggs, and Wager, 1992, Gagne'e & Medsker, 1996) بيّن جانييه أنه توجد علاقات هرمية بين المهارات التي تندرج ضمن المجال العقلي، إذ لا بد أن يتقن المتعلم المهارة الأدنى في التسلسل الهرمي كي يتعلم مهارة أعلى، وهذا المفهوم قاد إلى فكرة مهمة؛ وهي أن التعليم يجب أن يصمم بحيث يضمن تعلم المهارات الدنيا قبل تعلم المهارات الأعلى. وقد ذهب جانييه إلى أكثر من ذلك في عمله من خلال توصيف عملية التحليل الهرمي ( تدعى أيضا تحليل مهام التعلم أو تحليل مهام التعليم) لتحديد المهارات الأساسية، ولا زالت هذه العملية سمة محورية في نماذج تصميم التعليم. سبوتنك: الإطلاق غير المباشر للتقويم التكويني في عام 1957، عندما أطلق الاتحاد السوفيتي سبوتنيك ـ أول قمر صناعي ـ بدأت سلسلة من الأحداث التي كان لها تأثير كبير على عملية تصميم التعليم، فقد أصيبت حكومة الولايات المتحدة بصدمة نتيجة لنجاح الجهود السوفيتية في إطلاق سبوتنك، وأغدقت ملايين الدولارات لتحسين تعليم الرياضيات والعلوم، وكانت المواد التعليمية التي طورت من خلال هذا التمويل تكتب عادة من قبل خبراء المحتوى التعليمي، وبعد سنوات ـ وسط الستينيات ـ وعندما تبين أن هذه المواد لم تكن فعالة، أشار (مايكل سكريفن 1967) إلى الحاجة إلى تجريب مسودات المواد التعليمية على المتعلمين قبل أن تصبح بشكلها النهائي، وبين سكريفن أن هذه العملية ستمكن التربويين من تقويم فاعلية المواد وهي لا تزال في مرحلة التكوين، وتعديلها إذا لزم الأمر قبل أن تنتج بشكل نهائي، ودعى سكريفن عملية التجريب والمراجعة هذه بالتقويم التكويني formative evaluation وبين الفرق بينها وبين ما سماه بالتقويم النهائي summative evaluationوهو اختبار المواد التعليمية بعد أن تصبح في شكلها النهائي. ورغم أن مصطلحي التقويم التكويني والتقويم النهائي أطلقهما سكريفن فإن التمييز بينهما ورد قبل ذلك من قبل لي كرونباخ (1963)، بل وقبل ذلك خلال الأربعينيات والخمسينيات حيث قام عدد من التربويين مثل أرثر لمزدين ومارك ماي، و س. ر. كاربنتر بتناول إجراءات تقويم المواد التعليمية التي لا تزال في مرحلة التكوين. وفي ضوء كتابات بعض التربويين خضع عدد قليل جدا من المواد التعليمية التي طورت في الأربعينيات والخمسينيات إلى عملية التقويم التكويني، وتغير هذا الوضع إلى حد ما في نهاية الخمسينيات وخلال الستينيات إذ تم اختبار عدد كبير من مواد التعليم المبرمج في تلك الفترة في أثناء عملية التطوير، ولكن بعض الكتاب مثل سوزان ماركل (1967) انتقدوا بشدة ضعف الصرامة في عمليات الاختبار هذه، وفي ضوء هذه المشكلة قدمت ماركل إجراءات مفصلة لتقويم المواد أثناء عملية التصميم وبعدها، وهذه الإجراءات تشبه إلى حد كبير إجراءات التقويم التكويني والنهائي المعروفة الآن. نماذج تصميم التعليم المبكرة في بداية الستينيات وأواسطها تم ربط المفاهيم التي تم تطويرها في الميادين التي تناولناها سابقا مثل تحليل المهام وتصنيف الأهداف والاختبارات معيارية المرجع معاً لتكوّن عمليات أو نماذج نظامية لتصميم المواد التعليمية. وكان جانيية (1962) وجلسر (1962، 1965) وسلفرن (1964) من أوائل الذين تناولوا هذه النماذج، واستخدموا لوصف النماذج التي أعدوها مصطلحات مثل تصميم التعليم، وتطوير النظم، والتعليم النظامي، ومن نماذج تصميم التعليم التي طورت واستخدمت خلال ذلك العقد أيضا تلك النماذج التي أعدها باناثلي (1968) ، وبارسون (1967)، و هاميروس (1968). السبعينيات: نمو الاهتمام بمنحى النظم خلال السبعينيات تزايد عدد نماذج تصميم التعليم بشكل كبير، وبنى كثيرون نماذج جديدة لتصميم التعليم النظامي على النماذج التي طورها من سبقوهم (e.g.' Dick & Carey, 1978; Gagne'e & Briggs, 1974; Gerlach & Ely, 1971; Kemp,1971 )، وفي الحقيقة فإنه مع نهاية ذلك العقد تم تطوير أكثر من 40 نموذجا لتصميم التعليم (Andreson & Goodson, 1980)، وقد تناول كل من جستافون وبرانش(1997) هذه النماذج وغيرها من النماذج التي ظهرت في الثمانينيات والتسعينيات بكثير من التفصيل. وقد ازدهر الاهتمام بعملية تصميم التعليم في مجالات مختلفة؛ ففي وسط السبعينيات تبنت عدة قطاعات في الجيش الأمريكي نموذجا لتصميم التعليم (Branson et al., 1975) يهدف إلى توجيه عملية تطوير مواد التدريب في هذه القطاعات، وفي المجال الأكاديمي تم إنشاء العديد من مراكز تحسين التعليم في منتصف هذا العقد بهدف مساعدة الكليات على استخدام الوسائل التعليمية وإجراءات تصميم التعليم لتحسين نوعية التعليم فيها (Gaff, 1975; Gustafson & Bratton, 1984). وتم إعداد العديد من برامج الدراسات العليا في مجال تصميم التعليم (Partridge & Tennyson, 1979; Redfield & Dick, 1984; Silber, 1982 )، وفي مجال الأعمال والصناعة رأت العديد من المنظمات قيمة استخدام تصميم التعليم في تحسن نوعية التدريب وبدأت بتبني هذا الاتجاه (cf. Mager. 1977; Miles, 1983)، وعلى المستوى العالمي رأت العديد من الدول مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا فوائد استخدام تصميم التعليم في حل المشكلات التعليمية في تلك الدول ( Chadwick,1986; Morgan. 1989 ) وقد دعمت الدول تصميم البرامج التدريسية الجديدة وأنشئت مؤسسات لدعم استخدام تصميم التعليم، ووفرت الدعم كذلك للراغبين في التدرب في هذا المجال، وقد تم تسجيل العديد من هذه التطورات في "مجلة تطوير التعليم" ، المجلة الأولى التي نشرت في السبعينيات والتي كانت سابقة لقسم التطوير في مجلة "البحث والتطوير في تكنولوجيا التربية". الثمانينات: التطوير وتعديل الاتجاه استمر في عقد الثمانينات الاهتمام بتصميم التعليم الذي نما خلال العقد الماضي في العديد من القطاعات، وبقي الاهتمام قويا بعملية تصميم التعليم في المجال التجاري والصناعي (Brwsher, 1989; Galgan, 1989 )، والمجال العسكري ( Chevalier, 1990; Finch, 0987; McCombs, 1986;). وعلى عكس تأثيره على القطاعات المذكورة سابقا كان لتصميم التعليم تأثير محدود في المجالات الأخرى، ففي مجال المدارس العامة ، بذل القليل من الجهد في بعض عمليات تطوير المناهج باستخدام أسس عملية تصميم التعليم ( e.g. Spady, 1988) وتم إعداد القليل من الكتب للمعلمين في مجال تصميم التعليم (e.g Dick & Reiser, 1989; Gerlach & Ely, 1980; Sullivan & Higgins, 1983)، وقد بينت الدلائل كذلك أنه كان لتصميم التعليم تأثير ضعيف على التعليم في المدارس العامة (Branson & Grow, 1987; Burkman, 1987; Rossett & Garbosky, 1987)، وبنفس النزعة مع بعض الاستثناءات ( e.g. Dimond,1989) كان لممارسة تصميم التعليم تأثير ضعيف في التعليم العالي، إذ إنه في الوقت الذي كان ينمو فيه عدد مراكز تحسين التعليم في التعليم العالي في وسط السبعينيات انحل ما يزيد عن ربع هذه المؤسسات وكان هناك تخفيض عام في ميزانيات المتبقي منها ( Gustafson & Bratton, 1984)، وقد قدم Buekman (1987a, 1987b) تحليلاً لأسباب عدم نجاح جهود تصميم التعليم في المدارس والجامعات وبين الاختلاف بين ظروف هذه المؤسسات والظروف المتوفرة في المجال التجاري والعسكري التي كانت أكثر تشجيعا. وخلال الثمانينيات كان هناك اهتمام متنامٍ بكيفية تطبيق مبادئ علم النفس المعرفي في عملية تصميم التعليم ، وتناول العديد مما نشر في هذه الفترة إمكانيات التطبيق المختلفة لذلك ( e.g. Boner, 1988; Divesta & Rieber, 1987; " Interview with R.M. Gagne'e, 1982, low. 1980 )، ومع ذلك فقد أشارت دلائل عديدة في المجال أن تأثير علم النفس المعرفي على ممارسة تصميم التعليم خلال هذا العقد كان ضئيلا (Gustafson, 1993; Dick, 1987 ). أما العامل الذي كان له التأثير الأكبر على تصميم التعليم خلال فترة الثمانينيات كان ازدياد الاهتمام باستخدام الحاسبات الشخصية لأغراض تعليمية، ومع تطور هذه الوسائل حول كثير من المختصين في تصميم التعليم اهتمامهم نحو إنتاج برامج التعليم المعتمدة على الحاسب ( Dick , 1987; shorck,1995) وبحث آخرون الحاجة إلى نماذج جديدة لتصميم التعليم لتناسب الإمكانيات التفاعلية لهذه التقنية (Merrill, Li, & Jones, 1990a, 1990b)، وإضافة إلى ذلك بدأت الحاسبات تستخدم أدوات لأتمتة بعض مهام (عمليات ) تصميم التعليم ( Li, 1989 & Merrill). وكذلك فقد بدأت حركة تقنيات الأداء التي ظهرت حديثا Performance technology movement تحدث أثرا في ممارسة تصميم التعليم، من خلال تركيزها على التحليل الشامل analysis front- endوالحلول غير التعليمية لمشكلات الأداء (Rosenberg, 1988; Rossett, 1990). التسعينيات: تغيير النظرة والممارسة أثرت العديد من التطورات خلال التسعينيات بشكل واضح على مبادئ تصميم التعليم وممارسته، وقد كانت حركة تقنية الأداء من أهم المؤثرات في ميدان تصميم التعليم التي وسعت مجال هذا الميدان، وكنتيجة لهذه الحركة، بدأ العديد من مصممو التعليم بإجراء عمليات أكثر دقة لتحليل أسباب مشكلات الأداء، وفي كثير من الحالات كانوا يجدون أن الأسباب الحقيقة في ضعف الأداء لم تكن في قلة التدريب أو ضعفه ، وكانوا يلجأون في هذه الحالات إلى تقديم حلولٍ غير تعليمية من مثل إحداث تغيير في نظم التحفيز، أو في بيئة العمل لحل هذه المشكلات Dean,1995) )، وبذلك اتسعت كثيرا أنواع النشاطات التي يقوم بها مصممو التعليم. ومن العوامل الأخرى التي أثرت في المجال خلال فترة التسعينيات نمو الاهتمام بالبنيوية Constructivism Theory، وبمجموعة من التوجهات المشابهة حول التعلم والتعليم (يدعوها البعض نظريات) التي لاقت رواجا كبيرا خلال هذا العقد، وتشمل المبادئ التعليمية المتعلقة بالبنيوية أن يقوم المتعلمون بـ : (Dresscoll, 2000) أ) حل مشكلات معقدة وواقعية ب) العمل معا لحل هذه المشكلات ج) التعامل مع المشكلات من منظورات مختلفة د) أخذ المبادرة في عملية التعلم (بدل أن يكونوا متلقين سلبيين) ه) أن يكونوا على وعي بدورهم في عملية بناء معارفهم وخلال العقد الماضي أثرت البنيوية في العديد من المنظرين والممارسين في مجال تصميم التعليم، وعلى سبيل المثال كان للبنيوية التي تركز على تصميم مهام تعليمية حقيقية authentic (وهي المهام التي تعكس تعقيدات البيئة الحقيقية التي يطبق فيها المتعلمون ما تعلموه من مهارات) تأثير على كيفية ممارسة تصميم التعليم وتعليمه (Dick, 1996 ). ورغم أن البعض يرى تعارضا بين مبادئ تصميم التعليم التقليدي والبنيوية، فقد بين كثير من الكتاب كيف يمكن لمبادئ البنيوية أن تحسن من ممارسة تصميم التعليم ( e.g. Coleman, Perry, & Schwen, 1997; Dick, 1996; Lebow, 1993; Lin et al., 1996 ). وعلى صعيد آخر فقد أدى النمو السريع في استخدام وتطوير "نظم دعم الأداء الإلكترونية" خلال التسعينات إلى تغييرات في طبيعة العمل الذي يؤديه العديد من مصممي التعليم، و نظم دعم الأداء الإلكترونية هي أنظمة معتمدة على الحاسب صممت لتزويد العاملين بالمساعدة التي يحتاجونها للقيام بمهام محددة في عملهم، وفي الوقت الذي يحتاجون فيه إلى تلك المساعدة، وبأفضل شكل ممكن، وتشمل هذه الأنظمة في العادة قاعدة معلومات تحتوي المعلومات الأساسية المرتبطة بعمل المؤسسة؛ ومن ذلك (Wager McCey, In Press): - سلسلة من النشاطات العملية ( عادة ما تكون على شكل معلم خاص أو محاكاة) يستطيع العاملون الوصول إليها في الوقت الذي يختارونه - أنظمة تدريب وتعليم خبيرة، وأنظمة توجيه ذكية تقدم إرشادات لأداء النشاطات المتنوعة. - أدوات دعم للأداء تساعد على أتمتة وتبسيط القيام بالعديد من مهام العمل. وبتزويد العاملين بأدوات الأداء والمعلومات التي يحتاجونها؛ فإنه يمكن لأنظمة دعم الأداء الإلكترونية المصممة جيدا أن تقلل الحاجة للتدريب، ومن غير المفاجئ إذاً أن حوَّل العديد من مؤسسات التدريب ومصممي التعليم جانبا من اهتماماتهم من تصميم البرامج التدريبية إلى تصميم نظم دعم الأداء الإلكترونية (Rosenberg, 2001). ومن العوامل المهمة الأخرى التي أثرت في ممارسة تصميم التعليم في السنوات الأخيرة سرعة تصنيع النماذج الأولية، وتشمل عملية "تصنيع النماذج الأولية السريعة" التطوير السريع للنماذج الأولية في المراحل المبكرة لمشروع تصميم التعليم، والسير بسلسلة سريعة من حلقات التجريب والتعديل إلى أن يتم أنتاج نسخة مُرضِيَة من المنتج (Gustafson & Branch, 1997a)، وتستخدم أساليب تصميم التعليم هذه وسائل لإنتاج نوعيات جيدة من المواد بوقت أقصر مما يلزم عند توظيف أساليب تصميم التعليم التقليدية، وخلال التسعينيات كان هناك اهتمام متزايد بتصنيع النماذج الأولية السريع لدى الممارسين والمنظرين في مجال تصميم التعليم (Gustafson & Branch, 1997a Jones & Richey, 2000 ). ومن الاتجاهات الأخرى التي أثرت في مهنة تصميم التعليم الاهتمام المتزايد بسرعة استخدام الإنترنت للتعليم عن بعد، فمنذ العام 1995 كان هناك اهتمام متزايد باستخدام الإنترنت لتوصيل التعليم لأماكن بعيدة ( Bassi & Van Buren, 1999; Lewis, Snow, Farris, Levin, and Green, 1999 )، وكما تزايد الطلب على برامج التعليم عن بعد، كذلك كان هناك إدراك بأنه كي تكون هذه البرامج فعّالة، فلا يكفي مجرد تقديم التعليم الصفي كما هو بشكل إلكتروني، بل يجب أن تصمم هذه البرامج بعناية في ضوء السمات التي يمكن أن تستخدم ـ أو لا تستخدم ـ في الدروس المعتمدة على الإنترنت ( Institute for Higher Education Policy, 2000)، وكما أشار عدد من الكتّاب أوجدت الحاجة إلى تحقيق الجودة العالية في التعليم المعتمد على الإنترنت فرص عمل جديدة لمصممي التعليم، ويتوقع أن توفر فرصا أكبر في المستقبل القريب (Dempsey & Van Eck, in Press; Hawkridge, in press ). ومن أحدث الاتجاهات التي أثرت في مجال تصميم التعليم ما يسمى بإدارة المعرفة، وحسب Rossett (1999) تشمل إدارة المعرفة تحديد الوثائق، ونشر المعلومات الصريحة والضمنية في المؤسسة لتحسين أداء هذه المؤسسة، ففي العادة تبقى المعرفة والخبرات المفيدة محصورة في شخص أو مجموعة محدودة من الأشخاص في المؤسسة ولا تكون معروفة خارج هذه المجموعة، ولكن تقنية هذه الأيام بما فيها برامج قواعد البيانات وبرامج المشاركة والشبكات المحلية مكّنت المؤسسات من إدارة ــ جمع وتصفية ونشر ــ هذه المعرفة والخبرات بطرق لم تكن ممكنة سابقا، وذكرRosenberg (2001) أمثلة عديدة لمؤسسات حولت اهتمامها من تصميم البرامج التدريبية نحو إدارة المعرفة، ويرى Rossett and Donello (1999) أنه باستمرار نمو الاهتمام بإدارة المعرفة، فلن يكون مصممو التعليم والمختصون بالتدريب مسؤولون عن تحسين أداء الأفراد فقط بل سيكونون مسؤولين أيضا عن تحديد وتسهيل الوصول للمعارف المفيدة المتعلقة بالمؤسسة، ولذلك فإن الاهتمام المتزايد بإدارة المعرفة سيغير وقد يوسع أنواع مهام مصممي التعليم التي يتوقع أن يقوموا بها. النتيجة رغم أن هذا المقال الذي توالى في عددين من هذه دورية البحث والتطوير في تكنولجيا التربية، قدم معلومات منفصلة عن تاريخ الوسائل التعليمية وتاريخ تصميم التعليم، فإن هناك تداخلا واضحا بين هذين المجالين، فالعديد من الحلول التعليمية التي ظهرت من خلال استخدام عملية التصميم التعليمي تتطلب توظيف أنواع مختلفة من الوسائل التعليمية التي كانت موضع التركيز في الجزء الأول من هذا المقال، وإضافة إلى ذلك أثبت العديدون (e.g. Clark, 1994; Kozma, 1994; Morrison, 1994; Reiser, 1994; Shrock, 1994 ) أن الاستخدام الفعال للوسائل لأغراض تعليمية يتطلب تخطيط دقيقا للتعليم، كما يتم في نماذج تصميم التعليم ، وفي مجال تصميم وتقنية التعليم فإن الذين يتأثرون بالدروس المتعلمة من تاريخ الوسائل التعليمية وتاريخ تصميم التعليم سيكونون في وضع جيد يمكنهم من التأثير إيجابيا في التطورات المستقبلية في هذا المجال. ________________________________________ * المراجع المشار إليها في هذه الترجمة مثبتة في المقال الأصلي والمنشور في مجلة البحث والتطوير في تكنولوجيا التربية Educational Technology Research & Development Journal, Vol. 49, No. 2, 2001, pp. 57-67 . والملاحظ لعلم التصميم التعليمي يرى أنه قد مر بعدة مراحل متسلسلة قبل أن يتبلور في تعريفه ومضمونه الشامل, وهذه المراحل قد عكست أداء التربويين العاملين في مجال التعليم والتعلم , وهذه المراحل هي كمل يلي (عادل السيد سرايا,2007,ص57):
•المرحلة الأولى : كان
ينظر فيها لتصميم التعليم على أنه عملية اختيار وسائل تعليمية فحسب.
•المرحلة الثانية : كان
ينظر فيها لعملية التصميم التعليمي على أنها عملية إنتاج وسائل تعليمية مع اعتبار
جودة صناعتها.
•المرحلة الثالثة :
التصميم التعليمي عملية تحتاج عدة إجراءات ومهارات منها, وضع الأهداف التربوي
العامة, وتحليل محتوى المادة الدراسية, وتحديد الأهداف الخاصة, وتطوير وسائل
التقويم, واختيار الوسيلة التعليمية.
•المرحلة الرابعة :
التصميم التعليمي هنا يتضمن عدة مهارات منها: تحديد الحاجات وتحليلها, ووضع
الأهداف العامة وتحليل محتوى المادة الدراسية, وتحديد الأهداف السلوكية, وتصميم
أدوات التقويم, واختيار الوسائل التعليمية وإنتاجها, وتنفيذ التقويم التشخيصي
والضمني والنهائي.
•المرحلة الخامسة : تم
التوصل فيها لنظرة شمولية لتصميم التعليم, ليتكون من ست مراحل رئيسية, وكل منها
يتكون من مجموعة من الإجراءات, وهي: التحليل والتصميم والتطوير والتنفيذ والإدارة
والتقويم.
|
الاثنين، 9 فبراير 2015
تاريخ المناهج الرقمية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق